مهسا رمز لآمال الإيرانيين في وطن حر وآمن

مهسا رمز لآمال الإيرانيين في وطن حر وآمن

عدد الشخصيات السياسية والثقافية والأدبية المؤثرة في التاريخ المعاصر لإيران ليس قليلاً، فمشاهير كثر في أنحاء البلاد يضيئون سماءها وجلبوا انتباه العالم.

وللنساء والرجال الإيرانيين المعروفين الذين جلبوا الفخر في المجالات المختلفة، منها العلمي والأدبي، تأثير كبير في التعريف بثقافة والحضارة الإيرانية، ومهسا أميني هي واحدة من هؤلاء.

فتاة شابة خرجت من محطة المترو في منطقة حقاني بطهران، وما إن وطئت قدمها أرصفة المدينة حتى منحت روحاً جديدة للنضالات المطالبة بالحرية للشعب الإيراني منذ الثورة الدستورية عام 1905.

هذه الفتاة التي لم تكن معروفة قدمت إلى طهران لقضاء العطلة الصيفية، لكنها توفيت في مستشفى كسرى وتسببت في إشعال شرارة غضب لشعب محتج في إيران.

ما حل بهذه الفتاة الشابة ما زال قيد الكتمان، لكن الضربة الشديدة التي تلقتها في الرأس أدت إلى نزف في الدماغ، وفي النهاية إلى مقتلها في المستشفى.

هذا الخبر كان من شأنه أن يمر ضمن العشرات والمئات من الأخبار الأخرى من دون أن يحدث شيئاً في ظل كثير من التطورات السياسة والاجتماعية، لكن لم يكن الأمر كذلك.

لم يمر الشعب الإيراني من هذه الحادثة والقتل المفجع للشابة الإيرانية في معتقل "شرطة الأخلاق" بسهولة، مما أدى إلى موجة احتجاجات عامة هزت إيران والعالم.

أتذكر حينها. كنت في متجر بنيويورك. ورأيت امرأة في يدها قرطاً سألتني: أيهما أفضل؟ تلك الأقراط الزرقاء كانت ترمز إلى أحد أعياد اليهود. ثم سألتني: من أين أنت؟ فقلت لها: من إيران. فتغيرت معالم وجهها فجأة وظهر فيه الحزن، وقالت لي: أنا آسفة جداً لمقتل مهسا أميني. فشكرتها وسال الدمع من عيني.

لكن، لماذا هز مقتل مهسا ليس الإيرانيين في الداخل فحسب، بل حتى الإيرانيين المقيمين بالخارج؟

في الواقع كان مقتلها قد وضع أمامنا مرآة نرى فيها أنفسنا وحنيننا إلى إيران. وقد ذكرنا مقتلها بأن هذه الحكومة المستبدة تسببت في لجوء الملايين منا إلى الخارج.

لا يمكن أن ننسى مقتل محتج في معتقل "شرطة الأخلاق". هذه الحادثة لن تصبح قديمة لنا نحن الإيرانيين.

لأن "شرطة الأخلاق" تعبر عن سطوة نظام منهمك بقمع الشعب منذ 45 عاماً، ومقتل مهسا أميني في معتقل "شرطة الأخلاق" يعني قمع جميع أبناء الشعب الإيراني المحتجين على النظام، أي 80 مليون إيراني. لذلك أعتبر أن مهسا هي الضمير الصامت للمحتجين على النظام الإيراني الذين لم يطيقوا مقتلها.

جميع الإيرانيين وخلال الـ45 عاماً الماضية لحقت بهم أضرار كثيرة من النظام. وشهدوا أزمات كثيرة منها الفقر والهجرة القسرية والقضاء على البيئة ونهب الثروات الوطنية والاعتقالات والتعذيب والهرب من البلاد والتهديد والتمييز والإعدامات والعزلة التي لحقت في البلاد والتهديدات الأمنية. هذه الأمور تكفي لكي ينفجر الغضب بعد مقتل مهسا أميني.

لذلك خرج الإيرانيون بصورة عفوية في جميع أنحاء البلاد في تظاهرات شاملة ضد النظام. الرجال والنساء في إيران خرجوا إلى الشوارع ليقولوا إنهم لن يطيقوا مقتل مهسا أميني، وإنهم لن يخضعوا لاستبداد وحكم مجموعة قليلة تحكم البلاد.

جعلت مهسا الإيرانيين يتوحدون في العالم، وبينت الوفاق الوطني والغضب من حكم لا يعبر عن هوية وثقافة وتاريخ الشعب الإيراني.

وبين النجوم التي سطعت في سماء إيران، ومثلما يعني اسم مهسا بالفارسية "القمر"، أصبحت مهسا قمراً يضيء السماء في إيران. لقد أصبحت شخصية خالدة لأنها تسببت في انطلاق أكبر وأهم حركة وطنية منذ الثورة الدستورية في البلاد.

ضحايا الحراك الوطني في إيران، والشباب الذي أعدموا أو قتلوا ومن فقدوا اعينهم برصاص الأمن، تحولوا إلى أغصان على شجرة ضخمة غرستها مهسا أميني. القتلى والجرحى في هذا الحراك في جميع أنحاء إيران يمثلون الإيرانيين جميعاً في حراك يطالب بالعدالة والنضال أمام قوة عسكرية لا تقبل بتفويض السلطة إلى الشعب.

هؤلاء الشهداء وشهداء ثورة الدستور والقتلى الذين قضوا في الدفاع عن إيران يحظون جميعاً باحترام الشعب الإيراني. لذلك لا يمكن أن يقتصر حراك مهسا على فئة معينة من النساء أو الرجال فحسب، بل إنه يشمل جميع المجموعات والقوميات والمذاهب في إيران.

مهسا تحولت إلى رمز لآمالنا للحياة الحرة والرفاه والأمن وقوة بلادنا، لذلك لا يمكن القضاء على هذا الأمل، وكان الدفاع عن هذه المطالب أدى إلى الوحدة بين الملايين من الإيرانيين في الداخل والخارج.

تذكر الشمعة الخافتة. تذكرها.

يقول الراحل علي أكبر دهخدا مؤلف موسوعة "دهخدا" الشهيرة، "ذات ليلة رأيت في المنام الراحل ميرزا جهانغير خان، رئيس تحرير صحيفة (صور إسرافيل)، وكان ميرزا جهانغير خان صحافياً خلال ثورة الدستور، وبعدما أقدم الشاه محمد علي القاجاري على قصف مجلس الشورى بالمدفعيات اعتقل عدداً من المحتجين منهم جهانغير خان وأعدم في حديقة الشاه".

ويضيف دهخدا أنه عندما رآه في المنام، "كان مرتدياً لباساً أبيض وقال لي: لماذا لم تذكر إنني كنت شاباً عندما قتلوني؟ ومن خلالها تصورت أنه يقول لي: لماذا لم تكتب عن مقتلي شيئاً؟ فجاءت هذه الكلمات في ذهني أثناء النوم: تذكر الشمعة الخافتة. تذكرها. في الأثناء استيقظت من النوم، وحتى الصباح كتبت الأبيات التالية:

 

يا عصافير الصباح

عندما يتخلى الليل عن الظلام

ويطير النعاس من أعين النائمين بعد نفخة السحور

وتفتح الحبيبة خصلة شعرها الذهبي

ويظهر كمال الرب ويصبح الشيطان في حصار

تذكر الشمعة الخافتة. تذكرها".

لنتذكر ونحيي مهسا أميني، وذكرى جميع قتلى الوطن

____________________________

نقلا عن إندبندنت عربية

______________________________


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية